المناضلون في مقاعد العملاء
الشرقية أون لاين - 16/1/2008 م
--->
د. محمود الحوت
كنا نتصور أن تغير الأزمان والحضارات وتقلب الأيام والسياسات لا يغير في حياةِ الناس إلا مظاهرها ووسائلها ومناهج تفكيرها , ولكن لم نتصور أن التغير يمكن أن يجرف في طريقهِ القيم التي تعارفت البشريه عليها منذ نشأتها, كقيم الشرف والكرامة والنخوة والوطنية وموالاة الصديق ومحاداةِ العدو .
في الزمن القريب :
كان من يواجه عدوه شجاعا ,ومن يتخاذل جبانا , كان من يتحدى إملاءات أعداء أمته صنديدا, ومن يتبنى مطالب أعدائه ,متخاذلا رعديدا , كان العملاء والممالؤن لأماني أوطانهم يخفون عمالتهم, ويموهون على سلوكهم, ويعلمون أن العار في إنفضاح امرهم وإنكشاف تواطئهم وتوافقهم مع أعداءِ أمتهم , أما عملاء هذا الزمان فيتصدرون وسائل الاعلام , بابتسامات عريضه وأفواه مفضوضة ,يرصون الكلمات ويدبجون التصريحات التي تدور جميعها حول الالتزام بتنفيذ بروتوكولات ومطالب الأعداء ما ظهر منها وما بطن , وكأنهم يقدمون أجل التضحيات وأعظم الانجازات من أجل قضايا وطنهم , والوطن والقضية منهم براء.
في فلسطين :
بفوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي-2006، اهتزت الأرائك الوثيرة بالفنادق ذات النجوم السبع تحت أرداف مناضلي الميكروفونات والفضائيات من العصبة المسيطرة من فتح ،وانسحب البساط الأحمر والسجاد الممدود من تحت أقدامهم،وتهاوت كؤوس الراح من أيديهم ،وانكمشت الحسابات والودائع الجارية والنائمة في بنوك سويسرا وأوربا تخشى انقطاع المدد أو انكشاف أرقامها السرية ,وكادت كاميرات الفضائيات تعرض عن هؤلاء الأشاوس المناضلين وتستقبل بأضوائها فريق المتواضعين المتوضئين من مجاهدي حماس وركبهم المخلص .
وانكب فريق "اوسلو"يراجع توجهاته ويعيد صياغة استراتيجياته , فوجد في تبني المواقف الإسرائيلية والالتزام بسياسات الإدارة الأمريكية والطاعة الحرفية لتعليمات الموساد الصهيوني والسي أي إيه , ما يحقق طموحاته وينتشله من هاوية ,دفعته إليها نتائج الانتخابات التشريعية-2006 ليعيدهم إلى دفء أضواء الإعلام والتصريحات والفضائيات والاجتماعات في الفنادق الفاخرة والسفريات والطائرات وشرب الأنخاب في صحة الأمة المحاصرة والقدس الحزينة المكبلة وصحة القضية والمفاوضات التي بلا نهاية .
ووقف فريق " أوسلو" في صف أعداء الأمة , يشارك في حصار شعبه اقتصاديا ويفجر الانفلات الأمني ويناطح الشرعية التي جاء بها الشعب عبر انتخاباته الحرة , فلم يدع وسيلة إلا انتهجها ولا غدرا إلا إقترفة لإفشال حكومة حماس المنتخبة , حتى وصل الأمر إلى تسلم أسلحة أمريكية وإسرائيلية, وتدريب رجالهم على أيدي الإسرائيليين والأمريكيين للقيام ببلطجة عسكرية وسفك للدماء وإشعال للفتن بقيادة ( دحلان ) وتعليمات ( دايتون ) الأمريكي .
وكشف فريق"أوسلو" عن تعاون بشع مع أعداء الأمة , فالمقاومة أصبحت ( إرهابا ) والتصدي لقوات الاحتلال أو أسر جنوده هو عبث وإثم يستوجب الاعتذار عنه ومصادرة أسلحة المقاومين للاحتلال ,أولائك الذين يفسدون عليهم النضال في متنزهات "كامب ديفيد " أو في حدائق " انا بولس " أو في القصور الرئاسية في الدول الأوربية .
ووقف فريق " اوسلو " مستقويا بالجبروت الأمريكي , يتحدى العرب- الذين لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا- وجامعتهم العربية ,فيرفض لجنة تقصي الحقائق التي أقرتها هذه الجامعة ,ويرفض الحوار مع حماس ولا يقبل النصح المصري السعودي, ويتحرر الفريق" الأوسلاوي" من كل ما يربطه بمصر والسعودية من مجرد العشم ويلتحف العباءة الأمريكية , التي لا تملك الأنظمة العربية الهشة إزاءها , إلا أن تزدرد كرامتها وتبتلع ألسنتها .
وتقف عصبة " أوسلو" بالمرصاد لكل المحاولات التي يبذلها الوطنيون ودعاة حماية حقوق الإنسان لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة , فيتواطؤن علي غلق المعابر, خاصة معبر رفح ,وعلى منع دخول الأموال والتبرعات إلى غزة , وعلى منع الرواتب وإعاقة خروج المرضى للعلاج , والتضييق في كل وسائل العيش على الناس , يعتقلون ويطاردون رجال المقاومة في الضفة ,ويجمعون أسلحة المقاومة ,ويحررون من يأسره المقاومون من جنود العدو الصهيوني, يغلقون الجمعيات والمستوصفات الخيرية التي تقدم الدعم والرعاية للشعب الصامد ولأسر الشهداء والمعتقلين .
فهاهو فريق من شعب فلسطين , يقف في الصف مع رجال صهيون , يعتبر المقاومة لإسرائيل ( إرهابا ) بل ويخطو الخطى الحثيثة لمنع هذا ( الإرهاب) ومصادرة أسلحة هؤلاء (لإرهابيين ) , ويقوم بالدفاع عن أمن إسرائيل نيابة عنها ومشاركة لجيشها.
يحاصر شعبه ويضيق الخناق عليه ,ويعطي الغطاء لأل صهيون لاستكمال مسيرة الإبادة للشعب الفلسطيني , ونسف ما بقي من قضيته.
وهاهم يعطون ظهورهم لأمتهم العربية والإسلامية,التي تضع فلسطين في قلب القلب و بؤبؤ العين ,ليولوا وجوههم شطر البيت الأبيض ,و نحو تل أبيب ,ليلا ونهارا.
لقد أصبحت تلك الطغمة المتهالكة على السلطة والتي أدمنت التفاوض, والاستمرار في التفاوض, حبا في جولات التفاوض, وأجواء التفاوض, وحفلات التفاوض , عارا على قضيتها و على شعبها, و على أمتها , يسعون لقتل شعبهم ليستمتعوا بالجلوس فوق قبر الوطن يتبادلون الأحاديث والنكات والأنخاب بين كل جولة من جولات المفاوضات .
ولكن من عجائب هذا الزمان أن العار لم يعد يخجل أصحابه وأن عملاء هذا الزمان يتصدرون لقيادة الأوطان ,يفخرون بما يمارسونه ,ويتأنقون في ما يقولونه –"وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكآءً وتصدية ....." و.. –"كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" .
هناك تعليق واحد:
المناضلون في مقاعد العملاء
مشكلتنا في قادتنا وهذا ما أراه وأعتقد أن الكثير يشاركني فيه
لو تركنا للشعوب أن تتحرك وأن تتصرف لاختلف الوضع كثيرا
ولكن تبقى حياتنا رحلة من الأمل
بأن الليل مهما طال فلا بد من أن ينتهي بصباح يزيل كل السواد
وكلما زادت الشدة، يقترب الفرج
" وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب "
دمتم بعز
إرسال تعليق